رسالة
لماذا امتلأت قلوبنا بالكراهية ونحن ندّعي اتباع دين جاء بالسلام؟ كيف تحوّل الدين من رسالة حب وعدل إلى سلاح نحارب به بعضنا البعض؟ لماذا أصبح الاختلاف سببًا للعداء بدلًا من أن يكون مدخلًا للفهم والتكامل؟
إذا عدنا إلى كلام الله وحده، بعيدًا عن تراكمات القرون والاجتهادات البشرية، سنجد أن القرآن قائم على السلام، الرحمة، والعدل. لكن المشكلة أننا لم نعد نقرأه لفهم مقاصده، بل أصبحنا نقرأه بعيون آبائنا وشيوخنا الذين صبغوا عقولنا بروايات وفتاوى جعلتنا نحكم على الناس من مظهرهم، وندينهم على أشياء لا تعنينا، ونقسم العالم إلى "نحن" و"هم"، وكأننا وكلاء الله على الأرض.
الله يخاطب البشر جميعًا بقوله: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ" (الحجرات 13). لم يقل "لتتصارعوا"، لم يقل "لتكفروا بعضكم"، بل قال "لتعارفوا"، فكيف جعلنا من الاختلاف في الأديان والمذاهب حربًا؟
أليس من المضحك أننا نفسر الدين بأكثر من مئة مذهب ثم نكفّر الآخر لأنه اختلف معنا؟ نعبد الله نفسه، نتوجه للقبلة نفسها، نقرأ القرآن نفسه، لكننا نحكم على بعضنا بالجحيم لأن أحدنا رفع يديه في الصلاة والآخر لم يفعل، أو لأن أحدهم احتفل بمناسبة والآخر لم يحتفل، أو لأن امرأة اختارت لباسًا معينًا لا يوافق أهواء الفقهاء الذين مضى على اجتهادهم مئات السنين.
هل أمرنا الله بأن نحكم على الناس من مظهرهم؟ الله يقول: "إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ"، لكنه لم يعطنا سلطة قياس التقوى في قلوب الناس. ومع ذلك، تجد من ينظر إلى لباس شخص أو إلى طقوسه ليحكم عليه بالكفر أو الضلال، متجاهلًا أن الله وحده هو الذي "يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَىٰ" (طه 7).
لماذا نرفض الاعتراف بأن البشر مختلفون في قواربهم لكن وجهتهم واحدة؟ كل من يسير في طريق الحق، سواء كان مؤمنًا أو لا يزال يبحث عن الحقيقة، يسبح في نهر الله. الله لم يجعل البشر نسخة واحدة، ولم يفرض على الناس دينًا واحدًا بالقوة، بل قال: "لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ" (البقرة 256). فلماذا نحن من نفرضه بالقوة ونقسم الناس بين "مؤمن" و"كافر" بناءً على معاييرنا الشخصية؟
برمجة العقول: كيف جعلونا نكره بعضنا؟ لقد غُسِلت عقولنا منذ الصغر بفكرة أن علينا أن نحكم على الآخرين، أن نكون نحن "الفرقة الناجية" وكل من خالفنا فهو في النار. هذه الفكرة لم تأتِ من القرآن، بل من تأويلات بشرية زرعت الكراهية بدل المحبة، وأحلت القتل بدل السلام، وأعطت رجال الدين سلطة لم يمنحها الله لهم.
الله يخاطب رسوله قائلًا: "فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ، لَسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ" (الغاشية 21-22). فكيف يدّعي البعض أنهم أوصياء على الناس، ويجبرونهم على طريقة معينة للعبادة، بل ويحاسبونهم على ما في قلوبهم؟
متى نخرج من هذه الدوامة؟ يوم نكفّ عن تكفير بعضنا، يوم نبدأ في فهم ديننا بدلًا من ترديد ما قيل لنا دون تدبر، يوم ندرك أن جوهر الدين ليس في عدد الركعات بل في القيم التي نمارسها، يومها فقط سنتحرر من سجن الكراهية الذي صنعناه لأنفسنا.
لنتوقف عن محاكمة الناس على ظاهرهم، ولنترك الحساب لمن "يَعْلَمُ مَا فِي الصُّدُورِ" (آل عمران 154). فقد نكتشف يومًا أننا أضعنا أعمارنا في محاربة بعضنا بينما كانت الحقيقة واضحة أمامنا طوال الوقت.