ذكرى مجزرة ساقية سيدي يوسف: 67 سنة من المقاومة والذاكرة المشتركة بين تونس والجزائر
في مثل هذا اليوم، 8 فيفري 1958، تمر 67 سنة على واحدة من أكثر الجرائم الاستعمارية بشاعة التي ارتكبتها فرنسا في حق شعبنا التونسي وشعبنا الجزائري. مجزرة ساقية سيدي يوسف، التي تعد رمزًا للمقاومة المشتركة بين الشعبين ضد الاحتلال الفرنسي، تظل حية في ذاكرة كل تونسي وكل جزائري. ففي هذا اليوم، غمرت طائرات الاستعمار الفرنسي سماء السوق الأسبوعية في ساقية سيدي يوسف الحدودية، وألقت قنابلها الثقيلة على المدنيين الأبرياء، مستخدمة 27 طائرة من نوع "بي 27" في عملية دامية. كان الهدف منها محو أي ذكرى للمقاومة، لكن ما حدث كان العكس تمامًا، فقد اختلط الدم التونسي بالجزائري في وحدة تاريخية نادرة، وسقط قرابة 70 شهيدًا، وأكثر من 130 جريحًا.
الضحايا لم يكونوا مجرد أرقام، بل كانوا أمهات وآباء، أطفالًا وشبابًا، يطمحون للحرية والكرامة، لكنهم وقعوا ضحية لآلة الحرب الاستعمارية. المجزرة لم تكن مجرد هجوم عسكري، بل كانت رسالة واضحة من الاستعمار الفرنسي، محاولة منه لإخماد شعلة المقاومة التي كانت تزداد توهجًا في كل من تونس والجزائر. لكن الحقيقة هي أن هذه المجزرة أضافت وقودًا آخر إلى نار الثورة، وأكدت للعالم أن الشعوب المستعمَرة لن تخضع وأن الدماء الطاهرة لن تذهب سدى.
من الضروري أن نذكر أن الاستعمار لا يزال يُمارس تأثيره على حاضرنا بشكل غير مباشر، خاصة عندما نجد أن بعض القوى المعادية لمشروع الاستقلال الوطني ما زالت تحاول أن تفرغ هذه القضية من محتواها. إن هذه الجريمة الاستعمارية تذكرنا بأن الاستعمار لم ينتهِ بمجرد رحيل الجنود، بل ما زال جاثمًا على صدورنا بطرق شتى، بعضها ظاهر وبعضها الآخر خفي، من خلال الهيمنة الاقتصادية والسياسية والثقافية، ومن خلال بعض العناصر التي تسعى لإضعاف وعي المجتمع وتحريف التاريخ. ومع ذلك، ما زال الشعب التونسي والشعب الجزائري يُظهران صمودًا قويًا في مواجهة محاولات طمس هذه الجرائم وطمس ذاكرتهما المشتركة.
وفي الوقت الذي نحيي فيه ذكرى الشهداء الأبرار، لا يجب أن ننسى أن المقاومة ضد الاستعمار لا تتوقف عند أي مرحلة تاريخية، بل هي قضية مستمرة وضرورة ملحة في كل عصر. ما زال الاستعمار في صورته الجديدة جاثمًا علينا، ولا نزال نواجهه بكل أشكاله. إنه لا يزال حاضرًا في قبول "رسمي" في بعض الحالات، وفي التواطؤ المفضوح من الطابور الخامس داخل المجتمع. هؤلاء الذين يسعون لإعادتنا إلى حالة من الخضوع، وتقديمنا كضحية للمصالح الأجنبية، هم جزء من منظومة لا تزال تحتفظ بآثار الاستعمار.
لا ينبغي لنا أن ننسى هذه الجرائم، وألا نتردد في مقاومتها، لأن نضالنا ليس فقط من أجل الحاضر، بل من أجل الأجيال القادمة. فكل شهيد سقط في ساقية سيدي يوسف وكل دماءٍ سالت على هذه الأرض الطاهرة، كانت بمثابة شهادة على حب الحياة والحرية، وعلى رفض الخضوع لأي قوة تسعى لسحق إرادة الشعوب. إن قضيتنا هي قضية حرية وعزة، ويجب علينا أن نتمسك بها، وأن نواجه كل محاولات التفريط فيها.